الفصل السادس

أزمة عام 1990

 

 

        كانت أزمة عام 1990, التي أدت إلى الغزو العراقي للكويت, هي الخامسة في العلاقات العراقية~الكويتية. ففي عام 1896, قام مبارك الصباح باغتصاب السلطة وأصبح حاكماً للكويت بعدما قتل أخويه محمد وجراح. ولكي يحمي نفسه من أولادهم وأتباعهم, الذين لجأوا للبصرة, وقَّع مع بريطانيا اتفاقية للحماية, في عام 1899. لكن أولاد أخيه, بمساندة من أنصارهم ومن السلطات العراقية في البصرة, قاموا بمحاولتين لاستعادة الكويت, في عامي 1901 و 1902. وعلى الرغم من فشل هاتين المحاولتين, إلاّ أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تقبل بالترتيبات البريطانية, خاصة اتفاقية الحماية التي أدت إلى انفصال الكويت عن العراق. وظهر التوتر في العلاقات بين العراق والكويت للمرة الثالثة في الثلاثينات من القرن العشرين, وبلغ قمته في عام 1938, عندما قاد الملك غازي حملة إعلامية ضد شيخ الكويت, أحمد الجابر. كذلك فإنه قد انتقد السياسات الاستعمارية البريطانية التي أدت إلى تقطيع أوصال الأمة العربية ومنعت وحدتها. أما الأزمة الرابعة, فحدثت على إثر انتهاء اتفاقية الحماية في 19 يونيو/حزيران 1961. فبعد ذلك بأربعة أيام, أعلن العراق نيته ضم الكويت. وخلال تلك الأزمات الأربعة, كانت بريطانيا موجودة لتكرِّس انفصال الكويت عن العراق, كما مرَّ في الفصل الأول.

        وقد مثَّل الغزو العراقي للكويت في عام 1990 قمة الأزمة الخامسة في العلاقات العراقية~الكويتية, التي كانت أعنف الأزمات جميعاً وأكثرها خطورة على الطرفين. ويهدف هذا الفصل إلى إيضاح كيفية تطور تلك الأزمة, والى تحليل العوامل الرئيسة التي أدت بها لتصل إلى مرحلة الحرب. كما أن هناك تركيزً على متابعة أثر السياسة الإسرائيلية تجاه العراق ودور ذلك في تصعيد الأزمة.

خلفية الأزمة

 

        لقد مرت العلاقات العراقية~الكويتية بفترة هدوء خلال السبعينات من القرن العشرين. وكان السبب في ذلك يعود إلى انشغال العراق بالتمرد الكردي وبالنزاع مع إيران على شط العرب. وتحسنت العلاقات بين البلدين بشكل كبير خلال الثمانينات, بسبب المساندة الكويتية للعراق أثناء الحرب العراقية~الإيرانية. فقد جعلت الكويت من أراضيها عمقاً استراتيجياً للمجهود الحربي العراقي. وسمحت للمقاتلات والقاذفات العراقية باستخدام قاعدة الأحمدي الجوية, وذلك في هجماتها ضد ميناء تصدير النفط في جزيرة خرق الإيرانية. وبالإضافة إلى ذلك, فإن الكويت سمحت للعراق ببناء خط لأنابيب النفط يمر بأراضيها ليصل إلى ميناء ينبع السعودي, على البحر الأحمر. وكان من شأن ذلك تمكين العراق من الاستمرار في تصدير نفطه حتى عندما كانت القوات الإيرانية تحتل أجزاء من جنوبه, خلال المرحلة الأخيرة من الحرب. كما قدمت الكويت للعراق قروضاً بقيمة 12 بليون دولار لتمويل مشترياته المدنية والعسكرية. وبسبب تلك المساندة, توقعت الحكومة الكويتية موافقة العراق على الاعتراف بالحدود بين البلدين. وزاد تطلع الحكومة الكويتية لتلك الموافقة بعد توقيع اتفاقية عدم الاعتداء والمساعدة العسكرية بين السعودية والعراق في مارس/آذار من عام 1989. فتوجه أمير الكويت, جابر الأحمد, إلى بغداد في سبتمبر/أيلول من نفس العام, مقتفياً خطوات الملك فهد, بهدف التفاوض للوصول إلى اتفاقية حدودية مع العراق, لكنه فشل في ذلك.[1]

          ويمكن إرجاع ذلك الفشل إلى الفرق الجوهري بين العلاقات العراقية~الكويتية والعلاقات العراقية~السعودية, والذي يتمثل في النقاط الأربعة الرئيسة التالية. أولاً, بينما كانت هناك مطالب عراقية بالكويت, لم تكن هناك لا مطالب عراقية بأية أراض سعودية ولا نزاعات حول الحدود ما بين السعودية والعراق. ثانياً, برهنت الحرب العراقية~الإيرانية على ضعف قدرة العراق على الدفاع عن منطقته الساحلية الضيقة المطلة على الخليج العربي. لذلك, سعت الحكومة العراقية, بعد الحرب, إلى توسيع تلك المنطقة إما بضم أو استئجار جزيرتي وربه وبوبيان الكويتيتين. وهكذا, فإن أمير الكويت لم يجد أذناً صاغية عندما ذهب إلى بغداد مطالباً بالاعتراف العراقي بالحدود بين البلدين. ثالثاً, بينما نظر العراق إلى الدعم المالي السعودي له أثناء الحرب على أنه واجب قومي محمود من قطر عربي شقيق, فإنه كان يتوقع الدعم الكويتي له كواجب ينبغي أن يفعله الكويتيون بدون مقابل, نظراً للعلاقات التاريخية الخاصة بين البلدين. أخيرا, فإن العراق كان ينادي طيلة الحرب بأنه لم يكن يدافع عن نفسه فقط, وإنما عن الأمة العربية كلها, وعلى الأخص أقطار الخليج العربي. وقد كانت الكويت أكثر عرضة للتهديد من السعودية وأقطار الخليج الأخرى, خاصة عندما أصبحت القوات الإيرانية قريبة جداً من حدودها, خلال المرحلة الأخيرة من الحرب.

        وقد بدأت الأزمة تكبر بعد المهمة الفاشلة لأمير الكويت في بغداد, خاصة نتيجة للمطالبات الكويتية للعراق بدفع ديون الحرب. وبينما قام السعوديون بتحويل جزء كبير من ديونهم على العراق إلى هبات لا ترد, فإن الكويتيين أصروا على أن يقوم العراق بدفع ديونه لهم. ورداً على ذلك, بدأ العراق في انتقاد الكويت لقيامها بزيادة إنتاج نفطها, الأمر الذي أسهم في انخفاض أسعار النفط بحوالي 30 بالمائة, لتصل إلى 14 دولارا للبرميل الواحد. وقد أشار الرئيس العراقي, صدام حسين, خلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في عمان بالأردن في مايو/أيار 1990, إلى أنه مع كل هبوط بمقدار دولار واحد في أسعار النفط, فإن العراق يخسر حوالي بليون دولار في السنة. كما قام وزير الخارجية العراقي, طارق عزيز, بالتعبير عن ذلك في رسالة وجهها إلى الأمين العام للجامعة العربية, في 15 يوليو/تموز 1990. وقد ذكر في تلك الرسالة بأن الكويت والإمارات قد زادتا من إنتاجهما عن الحصة المقررة لكل منهما من قبل أوبك. ووجهت الرسالة اتهاما للكويت بسرقة النفط العراقي من حقل الرميلة الحدودي بين البلدين. وبعد ذلك بخمسة أيام, أي في 20 يوليو/تموز, حرك العراق حوالي 30,000 من قواته إلى الحدود مع الكويت. وقد حاول العديد من الزعماء العرب التوسط لإنهاء الأزمة بين البلدين. وكان من بينهم الرئيس حسني مبارك, والملك حسين, والرئيس ياسر عرفات, ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. وأثمرت جهود الوساطة تلك باتفاق الطرفين على عقد مباحثات ثنائية مباشرة في جده. وعندما بدأت المباحثات, في 31 يوليو/تموز, كان عدد القوات العراقية على الحدود قد وصل إلى حوالي 100,000 جندي.[2]

          وقد أثرت الأزمة على اجتماعات أوبك التي بدأت في جنيف, في 27 يوليو/تموز. فقوبل موقف العراق القوي ضد عدم التقيد بالحصص المقررة بالتأييد من معظم أعضاء المنظمة, خاصة ليبيا وإيران. وقرر وزراء النفط الثلاثة عشر في المنظمة رفع سعر النفط بثلاثة دولارات, ليصل إلى 21 دولارا للبرميل مع نهاية العام. وحتى يمكنهم تحقيق ذلك, قرروا ألاّ يزيد سقف الإنتاج عن 22.491 مليون برميل في اليوم. والحقيقة أن السقف الجديد لم يكن أعلى كثيراً من سابقه, الذي كان 22.086 مليون برميل في اليوم. وكانت تلك الزيادة الطفيفة استجابة لمطلب الإمارات بالمساواة في الإنتاج مع الكويت. لكن الأهم قد تمثل في التأكيد على التقيد الصارم بحصص الإنتاج, الأمر الذي كان يتوقع له أن يوقف المخالفات في الإنتاج, والتي كانت تصل إلى حوالي 800,000  برميل يوميا. وهكذا, أصبح من الممكن الوصول إلى السعر الذي حددته المنظمة مع نهاية عام 1990.[3]

          وقد ترأس الوفد العراقي إلى مباحثات جده نائب الرئيس, عزت إبراهيم, الذي قدم أربعة مطالب عراقية للوفد الكويتي. وتلخصت تلك المطالب في التقيد بحصص الإنتاج التي قررتها أوبك, والتخلي عن الجزء الجنوبي من حقل الرميلة النفطي الواقع على الحدود بين البلدين, ومسامحة العراق بديون فترة الحرب, وتعويض العراق عما فقده من أموال نتيجة لانخفاض أسعار النفط. وقد أصر الوفد الكويتي الذي ترأسه ولي العهد, سعد العبد الله, على تسوية شاملة للأزمة, تقوم الكويت بموجبها بمسامحة العراق بديون الحرب, ويوافق العراق بالمقابل على تعيين الحدود معها والاعتراف بها. واستمرت المباحثات لأقل من يومين, وانتهت بعدم الاتفاق على جميع القضايا المطروحة, وذلك في الأول من أغسطس/آب 1990.[4]

 

 

الغزو

 

        عندما فشلت مباحثات جده في حل الخلافات العراقية~الكويتية, أصبحت الظروف مهيأة لحدوث الغزو. أما أهم تطور تاريخي له علاقة بالغزو, وحدث قبله بوقت قصير, فكان من الولايات المتحدة. فقد أوضحت إدارة بوش للقيادة العراقية بأنها لن تتدخل في المنازعات العربية~العربية. وهناك عامل آخر على نفس القدر من الأهمية, تمثل في توقع العراق حدوث هجوم إسرائيلي على منشآته الذرية, مما زاد في نسبة التوتر لدى العراقيين. وقد ساهمت القوى الغربية بشكل عام في تصعيد وتيرة الأزمة عن طريق زيادة ضغوطها على العراق حتى يقوم بدفع ديونه لها (كما سيتضح في الفصل السابع).

        ووسط ذلك الجو المشحون بالتوتر, قامت السلطات العسكرية الكويتية بإبلاغ قيادتها السياسية بالحشود العراقية على الحدود, وطلبت منها إعلان حالة الطوارئ. لكن قادة الكويت لم يأخذوا التحركات العراقية على محمل الجد. فقد اعتقدوا بأن العراق كان يحاول ممارسة الضغوط عليهم, لا أكثر, وأنه لن يغزو الكويت ككل. وكان أقصى ما فكروا به هو قيام العراق باحتلال المناطق الحدودية المتنازع عليها, خاصة الشريط الحدودي الكويتي بالقرب من حقل الرميلة النفطي وكذلك جزيرتي وربه وبوبيان. لذلك فإنهم لم يوافقوا على إعلان حالة الطوارئ التي طالب بها العسكريون.

        وفي الحادي والثلاثين من يوليو/تموز 1990, كانت هناك خمس فرق عسكرية عراقية تقدر بحوالي 53,000 جندي, تقف على الحدود بقيادة الفريق إياد الراوي. وقد بدأت بعض هذه القوات في عبور الحدود فعلياً بعد ظهر اليوم الأول من أغسطس/آب, لكن الدبابات لم تعبر إلاّ بعد العاشرة والنصف من مساء ذلك اليوم. ووصلت الدبابات مدينة الجهراء, التي تبعد حوالي تسعين كيلومترا من الحدود, حوالي الساعة الثانية من صباح الثاني من أغسطس/آب 1990. وفي الثانية والنصف صباحاً, قام رئيس هيئة الأركان الكويتي اللواء مزيد الصانع, بتوقيع أوامر الاستعداد للقتال. لكن أول وحدة كويتية أصبحت جاهزة للقتال عند الساعة الخامسة صباحاً. وبينما كان رئيس هيئة الأركان يوقع أوامر القتال, كان الأمير وولي العهد في طريقهما للسعودية, ولحق بهما أعضاء الحكومة الكويتية بعد ذلك بحوالي الساعة, أي في الثالثة والأربعين دقيقة من ذلك الصباح. واكتملت العملية العسكرية العراقية بالسيطرة على قاعدة الأحمدي الجوية, بجنوب الكويت, في حوالي الساعة العاشرة والنصف من مساء الثالث من أغسطس/آب 1990. لكن المقاومة الكويتية المتقطعة قد استمرت حتى الرابع من أغسطس/آب, أي حتى نهاية اليوم الثاني للغزو, وذلك عندما استسلمت آخر وحدة عسكرية كويتية (وهي الوحدة الخامسة عشرة المدرعة).[5]

        وبحلول الرابع من أغسطس/آب, أصبح عدد القوات العراقية في الكويت حوالي 150,000 جندي. وأظهرت ردة فعل القوات الكويتية أنها لم تكن على المستوى المطلوب, خاصة بالنظر إلى بلايين الدولارات التي كانت تنفق على المؤسسة العسكرية. وكان الهرب هو القاسم المشترك عند الجميع, وتمثل ذلك في أربعة خطوط للسيارات المتجهة إلى السعودية والتي بلغ طول كل منها حوالي ثلاثين ميلاً.[6]  وقد أشار تحقيق كويتي, بعد الحرب, إلى جملة من الأسباب التي يمكن أن تفسر ضعف أداء الجيش الكويتي. فأولاً, لم يكن الجيش الكويتي يؤخذ على محمل الجد من قبل حكام الكويت. ثانياً, كانت المؤسسة العسكرية الكويتية تنقصها الرؤية السياسية, والتدريب, والمعدات, والقيادات المناسبة. ثالثاً, ذكر الضباط بأن الجيش لم يكن مدرباً على الدفاع عن البلاد ضد الأخطار الخارجية, وإنما كان معداً للحفاظ على الأمن الداخلي. رابعاً, كان شراء المعدات العسكرية يتم بموافقة الموظفين المدنيين, الذين كان أكثر همهم منصباً على العمولات التي كانوا يتقاضونها وليس على مصلحة القوات المسلحة. خامساً, كانت القوات المسلحة تعاني من الروح المعنوية المنخفضة, والتسيب, والفساد الإداري, والشللية, والقبلية. سادساً, بينما كان الضباط بصفة عامة من المواطنين الكويتيين, كان حوالي 80 بالمائة من الجنود من سكان الكويت المحرومين من الجنسية الكويتية, والذين يطلق الكويتيون عليهم لقب "البدون." وقد كان من السخف توقع قيام أفراد هذه المجموعة السكانية المضطهدة والمغلوبة على أمرها بالدفاع عن مضطهديهم في وقت الشدة. سابعاً, لم يكن القادة العسكريون يتمتعون بالكفاءة, ولم يكونوا قادرين على أداء أقل واجباتهم, كما كانوا يعتمدون بالكامل على قيادتهم السياسية. ثامناً, كان القادة العسكريون الذين يشغلون أعلى المناصب (وزير الدفاع, ورئيس هيئة الأركان, ونائبيهما) على قدر من الجهل بواجباتهم لدرجة انهم لم يكونوا يعرفون ماذا يتوجب عليهم فعله بعد إعلان حالة الطوارئ في القوات المسلحة. أخيرا, فإن القيادة السياسية قد توجهت إلى السعودية دون أن تترك خلفها قيادة بديلة لإدارة شئون البلاد.[7]

ردة الفعل على الغزو

 

        قامت الولايات المتحدة وبريطانيا برد فعل سريع على الغزو. ففي خلال ساعات قليلة, قامتا بقيادة مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرار 660, الذي أدان الغزو وطالب بانسحاب القوات العراقية. كذلك فإنهما قادتا الدول الأوروبية والآسيوية في تجميد كافة الاحتياطيات والحسابات والاستثمارات العراقية والكويتية في الخارج, في نفس اليوم. أما ردة فعل الجامعة العربية, فكانت مختلفة. فقد عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة في الثاني من أغسطس/آب, وانتهى دون اتخاذ أية قرارات, انتظاراً للمبادرة السلمية التي كان يقوم بها الملك حسين. وقد اتصل الرئيس العراقي صدام حسين بالملك حسين في صبيحة ذلك اليوم, واقترح انعقاد مؤتمر قمة عربي مصغر لحل المشكلة. فتوجه الملك إلى القاهرة للحصول على موافقة الرئيس حسني مبارك, واتصل الاثنان من هناك بالرئيس بوش طالبين منه مهلة قدرها 48 ساعة لإنهاء الأزمة.

        ولم يُضع الرئيس بوش أي وقت بعد ذلك, خاصة بعد التحذير الذي تلقاه من مارغريت تاتشر. فقد كان هناك اجتماع مقرر مسبقاً بينه وبين رئيسة الوزراء البريطانية, في مدينة أسبن بولاية كولورادو. وفي ذلك الاجتماع, قامت تاتشر بتحريضه على اتخاذ موقف قوي من الغزو قائلة له بأن ذلك الوقت ليس وقت "التردد."[8] فاتصل هاتفياً بالملك فهد وعرض عليه المساعدة الأميركية إذا لم تتوقف القوات العراقية عند الحدود. وفي الثالث من أغسطس/آب, أرسل مساعد وزير الخارجية الأميركية, جون كيلي, رسالة إلى وزير الخارجية المصرية هدد فيها بأن الولايات المتحدة يمكن أن توقف مساعداتها العسكرية السنوية لمصر إذا لم تتخذ الأخيرة موقفا حازما من المسألة الكويتية. وعلى إثر ذلك, أصدر الرئيس حسني مبارك تصريحاً يدين فيه الغزو العراقي للكويت.

        وفي الثالث من أغسطس/آب أيضاً, أعلن الملك حسين أن العراق قد وافق على سحب قواته من الكويت في خلال يومين. لكن المبادرة قد أجهضت على إثر انعقاد الجلسة الطارئة الثانية للجامعة العربية, في نفس اليوم. فقد صوتت أربع عشرة "دولة" عربية مع مشروع قرار يدين العراق ويدعو للانسحاب العراقي الفوري من الكويت. أما "الدول" العربية السبعة الأخرى التي صوتت ضد ذلك القرار فكانت العراق والأردن وليبيا والسودان واليمن وجيبوتي ومنظمة التحرير الفلسطينية.

        وفي الرابع من أغسطس/آب, اتصل الرئيس بوش بالملك فهد محذراً بأن القوات العراقية كانت تتجمع على طول الحدود السعودية. وقد عرض عليه إرسال وزير دفاعه, دك شيني, إلى الرياض للتباحث بشأن الدفاع عن السعودية. وفي السادس من أغسطس/آب, وافق الملك فهد على استقبال القوات الأميركية في بلاده, لتقوم بالدفاع عن السعودية فيما أصبح يعرف بعملية درع الصحراء.  وفي نفس اليوم, قام مجلس الأمن الدولي بإصدار القرار رقم 661, الذي فرض العقوبات الاقتصادية على العراق. وقد ذكر مستشار الرئيس بوش لشئون الأمن القومي, برنت سكوكروفت, أن الملك فهد قد وافق على استقبال القوات الأميركية حتى قبل قيام الوفد العسكري الأميركي بالسفر إلى الرياض. وكانت موافقته المسبقة شرطاً لإتمام تلك الزيارة.[9]

        ورداً على وصول القوات الأميركية إلى السعودية وعلى فرض العقوبات الاقتصادية عليه, أعلن العراق قيام الوحدة بينه وبين الكويت في التاسع من أغسطس/آب (والذي تحول إلى ضم الكويت رسمياً إلى العراق في 28 أغسطس/آب). وفي نفس اليوم التاسع من ذلك الشهر أيضاً, عقد مؤتمر القمة العربي الذي حضره أربع عشرة زعيماً عربياً, بالإضافة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية وخمسة من ممثلي الحكومات العربية الأخرى. وقد طرح الرئيس حسني مبارك قراراً للتصويت, دعا فيه إلى انسحاب القوات العراقية من الكويت والى عودة الأمير وحكومته. كذلك فإن القرار قد رفض ضم العراق للكويت, وأيد قرار مجلس الأمن الداعي لفرض العقوبات الاقتصادية على العراق, كما دعا إلى تشكيل قوة عربية لمساعدة السعودية. وقد انقسمت الأقطار العربية في تصويتها على القرار إلى ثلاثة معسكرات: الأول يساند العراق, والثاني يساند الكويت. أما الثالث, فكان على الحياد. وقد تمثل المعسكر الأول بالعراق وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية, التي صوتت ضد القرار (وتعرضت نتيجة ذلك للحظر والعقوبات فيما بعد). واشتمل المعسكر الثاني على الأقطار التي صوتت لصالح القرار, وهي البحرين وجيبوتي ومصر والكويت ولبنان والمغرب وعُمان وقطر والسعودية والصومال وسوريا والإمارات. أما المعسكر المحايد, فاشتمل على الجزائر والأردن واليمن, التي امتنعت عن التصويت. كما تحفظت كل من موريتانيا والسودان على القرار, وغابت تونس عن الاجتماع.[10]

 

معاناة الغزو

 

        لقد أدت الأزمة العراقية~الكويتية, خاصة ابتداء من الغزو الذي حدث في الثاني من أغسطس/آب 1990 وحتى نهاية الحرب في أواخر فبراير/شباط 1991, إلى معاناة كبيرة بين سكان الكويت من مواطنين ومهاجرين. لكن المعاناة قد طالت القوات العراقية أيضاً, والتي وجدت نفسها في ظروف حرجة, خاصة عندما كانت تضطر للدفاع عن نفسها أمام هجمات المقاومة الكويتية. كذلك, فإن الشعب العراقي كله قد عانى ولأكثر من عشر سنوات من جراء الحصار الجائر الذي فرض عليه تنفيذاً للعقوبات الاقتصادية, مما راح ضحيته مئات الآلاف من العراقيين, معظمهم من الأطفال.

        أما بالنسبة للكويتيين, فإن عدد الذين غادروا البلاد منهم والذين لم يعودوا لها بعد قضاء إجازاتهم الصيفية قد بلغ حوالي 300,000 نسمه. وقد شمل ذلك أعضاء الأسرة الحاكمة, والأسر الغنية, وكبار الموظفين الحكوميين, وأفراد القوات المسلحة وعناصر الأمن وأسرهم. وبلغ هؤلاء حوالي 57 بالمائة من المواطنين الكويتيين. وعلى الرغم من أن معظمهم لم يتعرضوا للمعاناة المادية, إلاّ أن وضعهم الجديد كلاجئين لا مأوى ولا وطن لهم قد أذهلهم. ولو امتدت محنتهم لسنوات, لتعرضوا للمعاناة وسوء المعاملة التي يلقاها المهاجرون في بلدان كثيرة من العالم, بما في ذلك الكويت. وكان من المنطقي أن تعلمهم شهور المعاناة خارج وطنهم أن يصبحوا أكثر إحساسا بمعاناة المهاجرين, لكن ذلك لم يحدث.

        وقد بقي في الكويت حوالي 250,000 من المواطنين, و 240,000 من البدون, و 130,000 من الفلسطينيين, وعدة آلاف من المهاجرين الآخرين من العرب وغيرهم. وقد عانى هؤلاء جميعا من ظروف الأزمة والحرب. لكن الكويتيين كانوا في وضع أفضل كثيراً من غيرهم طيلة فترة الإدارة العراقية للبلاد. فقد كانوا يتلقون مساعدات مالية من الحكومة الكويتية في المنفى, مكنتهم من شراء المواد التموينية دونما حاجة بهم للعمل. ومع ذلك, فإن منظمة العفو الدولية قد ذكرت بأن عشرات منهم قد قتلوا أو عذبوا أو القي القبض عليهم أو اعتقلوا بدون محاكمة.[11] ولم يقتصر ذلك على المواطنين, بل شمل بعض البدون الذين كانوا عرضة للاضطهاد قبل الأزمة أيضاً. كذلك فإن بضعة آلاف من الكويتيين قد أخذتهم القوات العراقية كأسرى, لكن الغالبية العظمى منهم قد أطلق سراحهم بعد الحرب. وبحلول عام 2001, فإن عدد المفقودين الكويتيين أصبح لا يتجاوز الستمائة. وقد أعلن العراق مراراً أنه لا يوجد أي كويتي معتقل في العراق, لكن الحكومة الكويتية مستمرة في استخدام هذه الذريعة لتعطيل محاولات رفع الحصار وإنهاء العقوبات المفروضة على العراق. صحيح أن مئات من الكويتيين قد فقدوا حياتهم أو تضرروا بشكل أو آخر, وصحيح أن كل نفس إنسانية هامة وفقدانها يترك آلاما كبيرة لدى أفراد أسرتها على الأقل, لكن الصحيح أيضاً أن الخسائر الكويتية في الأرواح لا تذكر بالمقارنة مع مئات الآلاف من العراقيين الذين فقدوا حياتهم أثناء الحرب وبعدها.    

        وقد تعرض غير الكويتيين لمعاناة أكبر, على الرغم من أن ذلك لم يلتفت إليه أحد من الذين كتبوا عن الحرب ومعاناتها. فقد تأثرت حياة أكثر من مليون من المهاجرين من مختلف الجنسيات بالغزو والأزمة والحرب. واضطر معظمهم لمغادرة البلاد وبذلك فقدوا وظائفهم في وسط ظروف غاية في الصعوبة بالنسبة لهم. ومع ذلك, كانت معاناة من تبقى في البلاد من البدون و المهاجرين أكثر من معاناة الذين غادروها. فلم يتسلم هؤلاء أية مساعدات من الحكومة الكويتية في المنفى, أسوة بالمواطنين. لذلك, لم يكن بإمكانهم التغيب عن أعمالهم والبقاء في بيوتهم, كما فعل معظم الكويتيين. وبدلاً من أن تشكرهم الحكومة الكويتية على أدائهم لأعمالهم في المرافق الحيوية كالصحة والكهرباء والتعليم, فإنها توعدتهم بالعقاب "لتعاملهم مع السلطات العراقية." وعلى الأخص, كانت تلك التهديدات موجهة بالدرجة الأولى للفلسطينيين والبدون. وتعرض كثير منهم للقتل من جراء استهداف المقاومة الكويتية لهم حتى قبل الحرب, وذلك من خلال تفجير عبوات ناسفة في الشوارع والأسواق التي كانوا يرتادونها. وبالنسبة للبدون, فإنهم أيضاً لم يتلقوا أية مساعدات من الحكومة الكويتية. وعندما حاول بعضهم الذهاب للسعودية, فإنهم منعوا من دخولها وأجبروا على البقاء في معسكر للاجئين بالقرب من مدينة الخفجه. لكن ما حدث للفلسطينيين والبدون والكثير من المهاجرين العرب قبل الحرب لا يقاس بما حدث لهم بعدها. فقد أدت الحملة الإرهابية الكويتية البشعة التي شنت ضدهم آنذاك لتعرض الآلاف منهم للقتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقال بدون محاكمة والترحيل من البلاد دون وجه  (كما هو مفصل في الفصل العاشر).[12]

 

تحليل الغزو

 

        يستعمل علماء الاجتماع نظريتين رئيستين لفهم وتحليل الظواهر الاجتماعية, هما نظريتا الوظيفية والصراع. وهذا لا يعني عدم وجود نظريات أخرى, وإنما التركيز على هاتين النظريتين يعود لأهميتهما ولتنافسهما في محاولة الفهم والتحليل. فمن الناحية الوظيفية,[13]  فهم الزعماء الغربيون الغزو والضم العراقي للكويت على أنه تعطيل جذري لعمل (لوظيفة) النظام العالمي, أدى إلى الإخلال بالتوازن الذي رتبوه ليس فقط في منطقة الخليج العربي وإنما في العالم أجمع. لذلك, كان لا بد من إنهاء ذلك الغزو حتى يستعيد النظام العالمي توازنه. وهكذا, أصبح إخراج القوات العراقية من الكويت ضرورة لإصلاح الخلل الوظيفي الذي حدث في النظام العالمي. لكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للزعماء الغربيين الوظيفيين, لأنه لا يضمن إنهاء التهديد العراقي لتوازن النظام العالمي في المستقبل. لذلك, فإن التحالف الغربي الذي قادته الولايات المتحدة لم يهدف إلى إخراج القوات العراقية من الكويت فحسب, وإنما إلى تدمير القدرات الاقتصادية والعسكرية العراقية حتى لا يعود العراق قادراً على تهديد النظام العالمي الذي رتبه الغرب خدمة لمصالحه. وقد كان الرئيس بوش دائم التعبير عن تلك النظرة الوظيفية طيلة فترة الأزمة, معتبراً أن الغزو العراقي للكويت  تهديد للنظام العالمي. كما أن قائد قوات التحالف, الفريق شوارزكوف, لم يخف أن تدمير العراق كان هدفاً رئيساً للحرب.[14]

          ويمكن استخدام نظرية الوظيفية أيضاً لتحليل الأزمة من وجهة النظر العراقية. فيمكن القول بأن الغزو العراقي للكويت كان يهدف أيضاً إلى استعادة الاستقرار والتوازن للنظام العالمي. ففي خطابه الذي ألقاه في السابع عشر من يوليو/تموز 1990, هاجم الرئيس العراقي صدام حسين حكام الكويت لدورهم في تخريب الاقتصاد العراقي. فقد اتهمهم بالاستيلاء, بدون وجه حق, على ما قيمته حوالي 2.4 بليون دولار من النفط من حقل الرميلة الواقع على الحدود بين البلدين. كما اتهم الحكومة الكويتية بزعزعة الاستقرار في الوضع القائم عن طريق خرق نظام حصص الإنتاج التي قررتها أوبك. فنتيجة لزيادة إنتاجها عما هو مقرر لها, أسهمت الكويت في الهبوط الكبير الذي حدث في أسعار النفط, مما أدى في النهاية للأضرار بالعراق.[15]  وقد أدت تلك الزيادة في إنتاج النفط إلى تخفيض أسعار النفط بحوالي 30 بالمائة, أي من 21 دولار للبرميل الواحد في يناير/كانون ثاني 1990, إلى 14 دولار للبرميل الواحد بعد ذلك بستة أشهر فقط. وكان من شأن ذلك إلحاق الأذى بالعراق بصفة خاصة, نظراً لأنه كان بحاجة ماسة للأموال اللازمة لتمويل مشاريع التنمية والإعمار فيه, والتي كانت ضرورية بعد ثمانية أعوام من الحرب العراقية~الإيرانية.[16]  وهكذا, ومن وجهة نظر وظيفية عراقية, فإن الكويت هي التي أربكت الوضع القائم وأخلت بتوازنه أولاً, وأن الغزو العراقي للكويت ما كان إلاّ محاولة لاسترداد التوازنات التي كانت قائمة قبل نشوب الأزمة.

        ومن الواضح أن التحليل الوظيفي يمكن استخدامه لتفسير وجهتي نظر طرفي الصراع في نفس الوقت, وبالتالي تبرير الفعل ورد الفعل. وبالتأكيد فإن هذه منقصة وليست ميزة فيه. لكن العيب الأكبر في التحليل الوظيفي يتلخص في أنه يتجاهل التاريخ,[17] وهو في هذه الحالة يتجاهل التطور التاريخي للأزمة. أما نظرية الصراع,[18]  فإنها على العكس من ذلك. فهي تركز على فهم الأساس التاريخي للقضايا المطروحة للبحث, كما أنها تهدف للكشف عن المصالح الحقيقية التي تسعى أطراف الصراع المختلفة لتحقيقها. وعلى ذلك, فإن تحليل الأزمة باستخدام نظرية الصراع يساعد أكثر في فهم كيفية تطور الأزمة وفي فهم سبب إصرار الغرب على تدمير قدرات العراق, بدلاً من مجرد إخراج القوات العراقية من الكويت (كما يتضح من تحليل العوامل التي أسهمت في نشوء الأزمة).

        ومن هذا المنظور, فإن الطبقات الرأسمالية الحاكمة في مجتمعات المركز الصناعية, والتي مثلتها في هذه الأزمة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا, قد نظرت للعراق على أنه يمثل تهديداً لمصالحها في منطقة الخليج العربي. لذلك كان لا بد من تدميره كقوة عسكرية واقتصادية إقليمية. والهدف الأسمى من ذلك هو إبقاء الوطن العربي كطرف متخلف في النظام الاقتصادي العالمي, الذي يسمح له بتصدير نفطه لدول المركز الصناعية بأسعار رخيصة ويستورد منها كافة ما يحتاج من سلع مصنعة, بأسعار عالية. وبالإضافة إلى ذلك, فإن إعادة آل صباح لحكم الكويت قُصد به التأكيد على حماية الدول الاستعمارية الغربية للنظم السياسية التابعة لها في أطراف النظام الاقتصادي العالمي المتخلفة. وأخيراً, وأهم من ذلك كله, فإن تدمير القوة الاقتصادية والعسكرية العراقية أزاح من أمام إسرائيل آخر قوة ردع عربية, حتى تعربد في المنطقة العربية كما تشاء, وهو ما حدث منذ انتهاء حرب الخليج.

 

العوامل التي أسهمت في نشوء الأزمة

 

        إذا ما نظرنا للخلفية التاريخية للصراع, فإنه يمكننا التعرف على ستة عوامل رئيسة أسهمت في نشوء أزمة عام 1990 بين العراق والكويت. أول تلك العوامل أن العلاقات بين البلدين قد تدهورت بعدما أعلن العراق أن الكويت كانت تنتج نفطاً أكثر من الحصة المرخص بها من أوبك, وأنها كانت تستغل حقل الرميلة الحدودي بشكل منفرد, وأنها أصبحت تطالب العراق بدفع ديون فترة الحرب العراقية~الإيرانية. وقد شكلت تلك التطورات ضغوطاً مالية على العراق, ليس فقط لأنه كان يتطلع لإعادة بناء اقتصاده بعد الحرب, وإنما لدفع ديونه الخارجية أيضاً. فقد بدأ الدائنون الغربيون يتحدثون عن ضرورة تشكيل تجمع دولي للدائنين يقوم بالسيطرة على الميزانية العراقية, الأمر الذي جعل العراقيين في غاية القلق.[19]

        وتمثل العامل الثاني في عدم وضوح الموقف الأميركي من قضية النزاعات العربية~العربية. فطيلة عام 1990, وعلى الأخص أثناء قمة الأزمة في يوليو/تموز, فان الولايات المتحدة لم تحذر العراق صراحة من استخدام القوة لتسوية نزاعه مع الكويت. وعلى العكس من ذلك, كانت إدارة بوش تنوء بنفسها بعيداً عن الإدلاء بأي تصريح واضح وحاسم عن موقفها من الخلافات العربية. فعندما قام جون كيلي, مساعد وزير الخارجية الأميركية لشئون الشرق الأوسط, بزيارة إلى بغداد في فبراير/شباط 1990, عبَّر عن عدم اكتراث الإدارة الأميركية بالنسبة للنزاع العراقي~الكويتي. وفي الرابع والعشرين من يوليو/تموز 1990, أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية, مارغريت تتوتر, على أن الولايات المتحدة لا تربطها بالكويت اتفاقية دفاعية, كما أنه ليس لديها أية التزامات دفاعية خاصة نحوها. ثم قام جون كيلي بتكرار نفس التصريحات, في الحادي والثلاثين من يوليو/تموز 1990.[20] ولو أن الولايات المتحدة كانت واضحة في أنها ستقف ضد العراق إذا ما لجأ لاستعمال القوة, لربما أثر ذلك على القرار العراقي بشكل أو آخر.  

         وتمثلت قمة التصريحات الأميركية بشأن الأزمة العراقية~الكويتية في الموقف الذي عبَّرت عنه السفيرة الأميركية في العراق, أبريل غلاسبي, أثناء اجتماعها بالرئيس صدام حسين, في الخامس والعشرين من يوليو/تموز. فقد أخبرته في ذلك الاجتماع بأن الولايات المتحدة "ليس لديها رأي في النزاعات العربية~العربية, مثل نزاعكم الحدودي مع الكويت." وبالطبع فان ذلك لم يكن موقفاً شخصياً منها, وإنما كانت تعبر عن الموقف الأميركي الرسمي من النزاع, خاصة أنها أضافت بأن وزير الخارجية "جيمس بيكر قد أصدر توجيهاته للمتحدثة باسم الوزارة للتأكيد على هذا الموقف."[21]

        ومن الطبيعي أن يكون الرئيس العراقي مهتماً بمعرفة الموقف الأميركي من الأزمة, والذي عبرت عنه السفيرة غلاسبي. فقد كان معنى ذلك بجلاء أن أميركا لن تتخذ موقفاً معادياً للعراق عند تطور الصراع. وعلى العموم, فان ذلك الموقف الأميركي كان منسجماً مع مواقف الدول الغربية, خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا, والتي كانت تمد العراق بالأسلحة أثناء الحرب العراقية~الإيرانية. وباختصار, فإن العراق لم يتوقع (بناء على تلك التصريحات والمواقف) أن يجابه بموقف عدائي أميركي وغربي ضده عندما تطور نزاعه مع الكويت لاحقاً ليصل إلى حد الغزو.

        أما العامل الثالث الذي أسهم في صنع الأزمة وتطورها, فقد انبثق من الصراع العربي~العربي الذي قسم الأمة العربية إلى معسكرين, ولعدة عقود من الزمان. فقد كان العراق والكويت ينتميان لمعسكرين عربيين متنافسين. فالعراق ينتمي للمعسكر الوحدوي الاشتراكي المدافع عن حقوق الجماهير العربية الفقيرة والمحرومة, والتي تتطلع إلى توزيع عادل لثروة الأمة النفطية من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة في الوطن العربي. وهكذا, فإنه ينادي باستثمار الثروة العربية في الوطن العربي, وليس في الدول الغربية الصناعية المتخمة بالأموال. أما الكويت, فإنها تمثل إحدى القلاع التي بنتها الأقلية الثرية المترفة من العرب لفصل نفسها عن باقي الأمة, كما مثلت نهجاً ينظر إلى ثروة الأمة النفطية على أنه ملك خاص للأسر الحاكمة والمنتفعين حولها من المواطنين. لذلك, فلا مانع لديها من استثمار فوائض العائدات النفطية في الدول الغربية بدلاً من استثمارها في أرجاء الوطن العربي التي هي بحاجة ماسة للتنمية. وحتى اندلاع الأزمة العراقية~الكويتية, في عام 1990, انضمت غالبية الأنظمة العربية لهذا المعسكر أو ذاك. وعلى ذلك, فجوهر الصراع العربي~العربي هو على وحدة الأمة وعلى كيفية التصرف بثروتها النفطية. فالأقطار العربية الغنية المصدرة للنفط تتصرف بتلك الثروة ولسان حالها يقول أنها قاست من تاريخ طويل من الحرمان, وأن الوقت قد حان لها لتستمتع بالثروة النفطية التي حباها بها الله. وهذا يعني أن الثروة النفطية هي ملك للأقطار المنتجة لها فقط وليس للأمة ككل. لذلك, فإن تلك الأقطار ليست ملزمة باقتسام الثروة مع الأقطار العربية الأخرى. والمحصلة النهائية, أن الأقطار الغنية بالثروة النفطية هي مع تكريس التجزئة وضد الوحدة العربية.

        وقد عبَّر الأمير خالد بن سلطان, القائد السعودي للقوات العربية المنضوية تحت التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في عامي 1990 و1991, عن وجهة نظر تلك المجموعة من الأقطار العربية المنتجة للنفط, خاصة فيما يتعلق بحرمانها قبل الطفرة النفطية التي بدأت منذ عام 1973. فذكر بأنه قبل تلك الطفرة, "كانت مواردنا المالية شحيحة, وكانت قوانا العاملة غير ماهرة, وكان مجتمعنا لا زال تقليدياً, وكنا بالكاد قد بدأنا المسيرة نحو الحداثة. ولكننا قد استطعنا, خلال العقدين الماضيين, أن نصبح في مقدمة معظم جيراننا." وروى أنه عندما ذهب الى أميركا ليتفاوض على اتفاقية صواريخ هوك المحسَّنة, في عام 1969, لم يكن لديه ما يكفي من المال لشراء جهاز أشرطة تسجيل الأغاني. "فلم يكن هناك كثير من المال في البلاد في ذلك الحين, وكانت رواتبنا منخفضة جداً. وأذكر أننا (هو وزميله محمد الكيال) أردنا شراء جهاز تسجيل الأغاني, لكننا لم نكن نملك ثمنه. ولم نتمكن من شرائه إلاّ بعد أن حصلنا على ثمنه من جدة الكيال, التي كانت تنوي شراء ملابس لها بالمبلغ."[22]

          ولم يقتصر الاستئثار بالثروة النفطية على القطر المنتج في علاقاته مع الأقطار العربية الأخرى, وإنما تعدى ذلك إلى استئثار عدد قليل من السكان بالثروة داخل القطر الواحد. وتجلى ذلك بالنسبة للكويت, مثلا, في معاملة المهاجرين كأجانب مهما طالت مدة عملهم وبقائهم في البلاد, وسنت الحكومة من القوانين ما جعل من شبه المستحيل حصولهم على الإقامة الدائمة والجنسية. وكانت المحصلة النهائية أن تبقى الثروة النفطية محصورة في أيدي أقل عدد ممكن من السكان. وأصبح هؤلاء في غاية الأهمية لدرجة أن الحكومة الكويتية قد بذلت جهداً غير عادي لتهريب قوائم أسمائهم بعد الغزو إلى البحرين. وهناك, قام خبراء من البحرين وهولندا وفرنسا بجهود كبيرة لفك أسفار الحاسوب (شيفرات الكمبيوتر) الكويتي حتى تمكنوا من استعادة تلك القوائم والمعلومات السكانية الكويتية. ثم قامت الحكومة الكويتية في المنفي بتسليم تلك المعلومات السكانية للأمم المتحدة, وذلك لاعتمادها كمصدر وحيد لتقرير من هو الكويتي مستقبلاً.[23]

          وبالنسبة للمعسكر الذي يقوده العراق, فإنه ينادي بأن الثروة النفطية ملك للأمة العربية جمعاء, وليس فقط للأقطار المصدرة للنفط. لذلك, فإنه من العدل أن تستثمر تلك الثروة في الوطن العربي ككل. وعلى أية حال, فإن الثروة النفطية ما كانت لتحدث في المقام الأول لولا الحظر النفطي العربي, الذي ما كان ليحدث بدوره لولا حرب عام 1973. فبينما كان بعض العرب يضحون بدمائهم من أجل تحرير التراب العربي ومن أجل شرف الأمة العربية, كان البعض الأخر يملأ خزائنه بالأموال نتيجة تلك التضحيات. ومن العجيب والمستهجن بعد هذا أن يأتي من يقول أن الثروة النفطية هي من حق الأقطار المصدرة للنفط وحدها.

        وعلى الرغم من حقيقة أن العراق قُطر مصدر للنفط, إلاّ أن الحظر المفروض عليه وكذلك عدد سكانه الذي بلغ حوالي 22 مليون نسمة (في عام 1995) قد جعلا متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي العام فيه أقل بكثير من متوسط دخل الفرد الكويتي (حوالي 2000 دولار للفرد العراقي و 16,900 دولار للفرد الكويتي, في عام 1995). كما أن الحزب الحاكم في العراق, حزب البعث العربي الاشتراكي, يمثل عقيدة سياسية تتناقض مع الامتيازات التي يتمتع بها أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت, ومَن حولهم مِن المنتفعين بنظامهم.

        وتمثل العامل الرابع الذي أسهم في نشوء الأزمة العراقية~الكويتية في النزاع الحدودي بينهما. فقد أظهرت الحرب العراقية~الإيرانية (1980-1988) الضعف الاستراتيجي في موقف العراق بالنسبة لقدرته على الوصول المأمون والمباشر إلى الخليج العربي. فقد تمكنت إيران من إغلاق ميناء أم قصر, وهو الميناء التجاري والنفطي الوحيد للعراق, كما أنه القاعدة البحرية العراقية الوحيدة أيضاً. وقد أسهمت هذه الحقيقة الجغرافية في تصاعد النزاع العراقي~الكويتي منذ استقلال الكويت, في عام 1961. وكحل لتلك المشكلة, كان العراق يأمل في الحصول على جزيرتي وربه وبوبيان, اللتين تسدان الطريق على العراق للوصول المأمون والمباشر إلى الخليج العربي. وبدون ذلك, فإن الوسيلة الوحيدة المتبقية تمثلت في استخدام خور عبد الله وخور الصبية, وهما مجريان مائيان ضيقان يفصلان ما بين الجزيرتين والضفة الغربية من شط العرب من الشرق والبر الكويتي من الغرب (كما توضح الخريطة الملحقة بنهاية هذا الفصل). وهكذا, عرض العراق على الكويت شراء الجزيرتين, أو استئجارهما, أو مبادلتهما بالماء العذب, ولكن الكويت لم تستجب لتلك العروض.

        وعندما تحسنت علاقات البلدين أثناء الحرب العراقية~الإيرانية, في الثمانينات, سمحت الكويت للعراق باستخدام أراضيها كحل لتلك المشكلة الجغرافية. كما تم بناء خط أنابيب يربط ما بين حقول النفط العراقية وميناء ينبع السعودي, الواقع على البحر الأحمر. كذلك تم إكمال خط إمدادات الغاز الطبيعي من العراق إلى الكويت. وفي عام 1988, اكتملت دراسة فنية عن إمكانية تزويد الكويت بالمياه العذبة باستعمال خط أنابيب يمتد حوالي 290 كيلومترا من الشطرة في جنوب العراق وحتى مدينة الكويت.[24]

        وبالرغم من ذلك كله, إلاّ أن الكويت قد قاومت المحاولات العراقية للحصول على الجزيرتين عن طريق خلق حقائق جديدة على الأرض. فقامت ببناء جسر يربط ما بين جزيرة بوبيان والبر الكويتي, ثم قامت ببناء منشآت عسكرية عديدة هناك, كما قامت برصف طريق بمحاذاة الحدود بين البلدين يربط نقاط الحدود جميعا. وبمجرد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران, قام الشيخ سعد العبد الله, ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء, بزيارة إلى بغداد للتفاوض على الاعتراف العراقي بالحدود بين البلدين, في مقابل مسامحة الكويت للعراق بديون الحرب. ونتج عن تلك الزيارة اعتراف العراق بكيان الكويت, ولكن دون الاعتراف بحدودها.[25]  وهكذا, أسهم النزاع الحدودي في بقاء توتر العلاقات العراقية~الكويتية وصولاً إلى أزمة عام 1990.

        وقد تمثل العامل الخامس الذي أسهم في تطور الأزمة في المخاوف العراقية من هجوم إسرائيلي وشيك على المنشآت الذرية والصناعية العراقية. وقد زادت تلك المخاوف مع زيادة الحملة الدعائية التي استهدفت العراق في أوروبا وأميركا. فخلال مؤتمر قمة مجلس التعاون العربي الذي عقد في عمان بالأردن, في الثالث والعشرين من فبراير/شباط 1990, عبَّر الرئيس العراقي صدام حسين عن قلقه إزاء احتمال قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت الذرية العراقية, خلال السنوات الخمس التالية.

        وفي الخامس عشر من مارس/آذار 1990, ألقت السلطات العراقية القبض على فرزود بازوفت, وهو صحفي بريطاني إيراني الأصل, بتهمة التجسس ضد العراق. وقد حكم عليه بالإعدام, وتم تنفيذ الحكم. وأدت تلك الحادثة إلى زيادة المخاوف العراقية من أن بريطانيا قد انضمت إلى الحملة المعادية للعراق. وفي الأسبوع التالي, أي في الثاني والعشرين من مارس/آذار, قام عملاء إسرائيليون باغتيال جيرالد بُل, المصمم الكندي لمدفع بابل, في بلجيكا.[26] وخلال إسبوع بعد ذلك, أي في الثامن والعشرين من مارس/آذار, قامت السلطات البريطانية باعتقال تاجر الأسلحة العراقي, علي داغر, الذي كان حراً طليقاً في أداء عمله طيلة فترة الحرب العراقية~الإيرانية. وقد ألقي القبض عليه في لندن بعد توقيعه على أوراق استلام إحدى وأربعين جهاز إطلاق, وصفتها السلطات البريطانية بأنها تم استيرادها من الولايات المتحدة لتستعمل في تفجير القنبلة الذرية العراقية. وتلا ذلك اعتقال وطرد العديد من العراقيين من البلاد. وقد وصف السفير العراقي لدى فرنسا, عبد الرزاق الهاشمي, تلك الأعمال التي قامت بها بريطانيا وإسرائيل والولايات المتحدة بأنها جهد منسق للإساءة لسمعة العراق. وكان هدف حملة العلاقات العامة تلك تبرير هجوم آخر على المنشآت الصناعية العراقية, مماثل لذلك الذي وقع في عام 1981. وقام الرئيس صدام حسين بالرد على الاتهامات البريطانية في خطاب أذاعه التلفزيون العراقي. فأمسك بجهاز إطلاق أميركي الصنع بيد, وأمسك بجهازين عراقيين باليد الأخرى. وقد بين بذلك بأن العراق ما كان بحاجة ماسة لاستيراد أجهزة إطلاق أميركية لأنه كان لديه أجهزته الخاصة به. لذلك, فإن تلك الضجة حول استيراد الأجهزة الأميركية لم يكن لها ما يبررها.[27]

 

العامل الإسرائيلي

 

        أما العامل السادس, وهو أهم العوامل التي أسهمت في تصعيد الأزمة والوصول بها إلى الحرب, فكان يتمثل في العلاقات العدائية العراقية~الإسرائيلية. فالإسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون لم يتوقفوا عن اعتبار العراق خطراً وتهديداً لإسرائيل. وذلك يفسر اختيار الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات للحرب, بدلا من المبادرات السلمية أو حتى العقوبات الاقتصادية, لإنهاء الغزو العراقي للكويت.  وقد بدأ التوتر بين العراق وإسرائيل خلال حرب عام 1948, عندما لعبت القوات العراقية دوراً رئيساً في الاحتفاظ بالضفة الغربية لنهر الأردن كمنطقة عربية, بعدما قامت إسرائيل على غالبية الأرض الفلسطينية.[28]  وعاد التوتر في أوائل الخمسينات بسبب الحملة الإسرائيلية التي استهدفت إرغام اليهود العراقيين للهجرة إلى إسرائيل. فقد كان عدد الإسرائيليين لا يتجاوز النصف مليون نسمه. وبدلاً من محاولة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتعويضهم عن خسائرهم وإعادة توطينهم في بلادهم, كما نص القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949, فإن زعماء إسرائيل أخذوا في البحث عن مهاجرين يهود ليحلوا محل اللاجئين الفلسطينيين. ولتحقيق ذلك, قامت الحكومة الإسرائيلية بتخطيط وتنفيذ حملة إرهابية ضد اليهود العراقيين, في محاولة لإرغامهم على الهجرة إلى إسرائيل. وكانت الحملة ناجحة جداً لدرجة أن معظم اليهود العراقيين غادروا العراق إلى إسرائيل. لكن تلك الحملة قد أسهمت في إحداث مزيد من التوتر بين العراق وإسرائيل. فبين أكتوبر/تشرين أول 1951 و يناير/كانون ثاني 1953, قامت الحكومة العراقية بإجراء ثلاث محاكمات, وجهت الاتهام خلالها إلى 28 يهودي وتسعة من غير اليهود بالتخريب وحيازة الأسلحة بطريقة غير مشروعة.

"وقد تم اتهام بعضهم بالهجوم بالقنابل على مقهى البيضاء, في أبريل/نيسان 1950 (الأمر الذي أدى إلى جرح أربعة من اليهود العراقيين من رواد المقهى), وعلى مكتب تسجيل المهاجرين اليهود في كنيس مسعوده شمطوف, في يناير/كانون ثاني 1951 (الذي قتل خلاله ثلاثة من اليهود), وعلى مكتب المعلومات التابع لمكتب التمثيل الأميركي في مارس/آذار 1951, وعلى بيت أحد اليهود في مايو/أيار 1951, وعلى بقالة يهودية في يونيو 1951. وقد قرر الادعاء العام بأن أهداف تلك الهجمات تمثلت في زعزعة نظام الحكم, وإعطائه سمعة سيئة (العداء للسامية), واستعداء القوى الغربية على العراق. وقد أصر بعض اليهود العراقيين, في ذلك الحين ولسنوات عديدة بعد ذلك, على أن تلك الهجمات على الأهداف اليهودية, وخاصة على كنيس مسعوده شمطوف, كانت من تنظيم المخابرات الإسرائيلية العامة ومخابرات وكالة الهجرة, بهدف إقناع المترددين من اليهود العراقيين بأن من مصلحتهم الهجرة إلى إسرائيل, بعد أن أصبحت بلادهم معادية للسامية."[29]

وخلال الستينات والسبعينات, قامت إسرائيل بمساندة المتمردين الأكراد (كما مرَّ في الفصل الخامس). وعندما اندلعت حرب عام 1973, شاركت القوات الجوية العراقية في القتال على الجبهتين المصرية والسورية. لكن معظم المشاركة العراقية كانت على الجبهة السورية. وكانت القوات العراقية هناك تتكون من فرقتين مدرعتين, اشتملتا على 500 دبابة, و 700 حاملة جنود مدرعة, و 30,000 جندي. وكانت تلك القوات تشكل ثلاثة أرباع القوات الجوية, وثلثي القوات المدرعة, وخمس وحدات المشاة العراقية, في ذلك الوقت. وقد قاتلت القوات العراقية ثلاث معارك رئيسة, في 13 و 16 و 19 أكتوبر/تشرين أول, ضد اللواء التاسع عشر واللواء العشرين الإسرائيليين. وتضمن ذلك هجمات مشتركة مع القوات السورية, بدعم من القوات الجوية العراقية, ضد الجناح الجنوبي للقوات الإسرائيلية. وقد تكبدت القوات العراقية خسائر كبيرة, بلغت حوالي 217 دبابة, ولكنها تمكنت من إيقاف زخم الهجوم الإسرائيلي. كما تمكنت من إعطاء القوات السورية الفرصة لإعادة تجميع وحداتها وتقوية دفاعاتها غربي دمشق.[30]

أما في الثمانينات, فإن إسرائيل قد عملت قدر استطاعتها لإطالة أمد الحرب العراقية~الإيرانية, حتى يتم "استنزاف القدرات العسكرية العراقية," كما قال أمنون شاحاك, رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.[31] وتحقق ذلك الهدف من خلال مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران أثناء تلك الحرب. ولم يكتف الإسرائيليون بتزويد الإيرانيين بالمعدات العسكرية الإسرائيلية, ولكنهم قاموا أيضاً بإقناع الإدارة الأميركية لفعل الشيء ذاته, فيما أصبح معروفاً فيما بعد باسم فضيحة إيران~كونترا.[32] وعندما انتهت الحرب أخيراً, باحتفاظ العراق بمعظم أسلحته سليمة وصالحة للاستعمال, زاد قلق الإسرائيليين وصار تدمير القدرات العراقية هدفاً أساسياً بالنسبة لهم.

وقد تمكنت إسرائيل طيلة فترة الحرب الباردة, بفضل أعوانها ومؤيديها, من إقناع الرأي العام في الدول الغربية بأنها حليفة للغرب, الأمر الذي أعطى غطاء للساسة الغربيين (والأميركيين منهم بشكل خاص) ليمنحوا تأييدهم لسياساتها العدوانية والتوسعية ضد الشعب العربي الفلسطيني والأقطار العربية التي ساندت كفاحه من أجل نيل حقوقه السياسية والوطنية المشروعة, والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ففي عام 1947, أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181, المعروف بقرار التقسيم, والذي دعا إلى إقامة دولة عربية في فلسطين إلى جانب إسرائيل. وعلى الرغم من جور ذلك القرار لأنه انتزع أكثر من نصف فلسطين من أصحابها الشرعيين وأعطاه للمهاجرين اليهود دون وجه حق لهم, إلاّ أنه قد أعطى الحق للعرب الفلسطينيين لإقامة دولتهم على باقي تراب وطنهم. وفي عام 1949, أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194, الذي طالب إسرائيل بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتعويضهم عن ممتلكاتهم وعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي أخرجوا منها أثناء حرب عام 1948. ومع ذلك, فان إسرائيل قد رفضت تنفيذ قراري الأمم المتحدة المذكورين,[33] واستمرت في سياساتها التوسعية التي هدفت إلى احتلال مزيد من الأراضي العربية, في عام 1956 (سيناء وقطاع غزه). كما قامت بتبني المزيد من السياسات العدوانية والتوسعية ضد أي قطر عربي تتوقع منه أية مقاومة لسياساتها تلك. وفي هذا الإطار, قامت إسرائيل بشن حرب عام 1967 ضد مصر وسوريا والأردن, والتي احتلت خلالها سيناء وقطاع غزة (مرة أخرى) والضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية. ثم غزت جنوب لبنان واحتلته في عام 1978,  ودمرت طائراتها المفاعل الذري العراقي في عام 1981, وعادت لغزو لبنان واحتلال عاصمته بيروت في عام 1982. وبالطبع, فإن إسرائيل لم يكن باستطاعتها أن تفعل ذلك كله بدون المساندة الاقتصادية والعسكرية المستمرة من الدول الغربية بصفة عامة, ومن الولايات المتحدة بشكل خاص.

وهكذا, فإن أعوان إسرائيل ومؤيديها في الحكومة الأميركية عمدوا إلى العمل على إنهاء الغزو العراقي للكويت بالقوة, وليس عن طريق المبادرات السلمية أو حتى بالعقوبات الاقتصادية, لأن ذلك يتيح لهم تدمير القوة العسكرية والاقتصادية للعراق, الأمر الذي يكفل لإسرائيل الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة, لعقود عديدة قادمة.

 

الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي

 

        لقد عملت الدول الغربية على ضمان التفوق التقني الإسرائيلي في الشرق الأوسط, وذلك بتمكين إسرائيل من تطوير ترسانتها الخاصة بها من الأسلحة النووية. ففي الخامس من أكتوبر/تشرين أول 1986, نشرت صحيفة الصندي تايمز اللندنية مقالة تستند إلى معلومات زودها بها مردخاي فنونو, وهو أحد التقنيين الذي سبق له العمل في مركز أبحاث ديمونه الذري الإسرائيلي. وقدم فنونو للصحيفة إثباتات على أن إسرائيل قد أنتجت, حتى ذلك الحين, ما بين مائة ومائتي قنبلة ذرية بقدرات تدميرية مختلفة, مما جعلها القوة الذرية السادسة في العالم.[34]

          ومع نهاية الحرب العراقية~الإيرانية في عام 1988, بدأ العديد من الزعماء الإسرائيليين يصفون العراق بأنه تهديد لإسرائيل, وذلك بسبب قدراته الصاروخية وأسلحته الكيميائية.[35]  واستمروا في حملتهم الإعلامية على العراق طيلة السنتين التاليتين, وتمثلت قمة تلك الحملة في التركيز على رد الرئيس صدام حسين على سؤال لأحد الصحفيين. ففي الثاني من أبريل/نيسان 1990, أعلن الرئيس العراقي بأنه سيتم إحراق نصف إسرائيل إذا تعرض العراق لهجوم إسرائيلي جديد.[36] وكان ذلك جواباً على سؤال افتراضي وتحذيراً لإسرائيل بألاَّ تقوم بمهاجمة المنشآت الذرية العراقية كما فعلت في عام 1981. وقد أظهرت حرب الخليج التي شنت على العراق في عام 1991 بأن تدمير المنشآت الذرية العراقية كان هدفاً رئيساً للحرب, تنفيذاً لرغبات إسرائيل. والحقيقة أن ذلك قد حدث في الأُسبوع الأول للحرب, خلال أكبر غارة جوية في الحرب كلها. فقد قامت 56 طائرة أميركية من طراز إف 16 (من العدد الكلي لهذه لطائرات, والذي بلغ 251 طائرة) بمهاجمة مركز الأبحاث الذري العراقي في بغداد, في 19 يناير/كانون ثاني 1991.[37] ومن الواضح أن ذلك كان هدفاً إسرائيلياً رئيساً, وليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بإخراج القوات العراقية من الكويت.

          وقد أصبحت البرامج النووية العراقية (في بداية الثمانينات) متقدمة بدرجة تكفي لتهديد التفوق الذري الإسرائيلي. لذلك السبب, قررت إسرائيل تدميرها. وبدأ تنفيذ ذلك باغتيال عالم الفيزياء الذرية المصري, يحيى المشد, في 13 أبريل نيسان 1980, في باريس, حيث كان يعمل في البرنامج الذري العراقي في فرنسا.[38] وفي 7 يونيو/حزيران 1981, قامت الطائرات الإسرائيلية من طراز إف~16 الأميركية الصنع بغارتين على المفاعل الذري العراقي (تموز رقم 1), تمكنت خلالهما من تدميره. ومع ذلك, تمكن العراق من إعادة بناء المفاعل (تموز رقم 2), خلال الثمانينات. وفي سبتمبر/أيلول 1988, سعى العراق لشراء وامتلاك أجهزة الإطلاق الذرية, المعروفة باسم "كرايترون" (التي سبق ذكرها), وكان ذلك دليلاً على قرب إنتاج الأسلحة الذرية العراقية. وبحلول يونيو/حزيران 1990, قدر محللو وزارة الدفاع الأميركية بأن العراق سيكون قادراً على إنتاج أول قنبلة ذرية خلال فترة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات.[39]

        كذلك تمكنت إسرائيل من تدمير سلاح عراقي آخر, هو مدفع بابل, الذي كان على وشك أن يمكن العراق من دخول عصر الفضاء. ففي مارس/آذار 1989, اكتمل بناء المدفع الذي بلغ طوله 56 مترا, وتمت تجربته. وكان باستطاعة كل واحدة من قذائفه الفولاذية أن تحمل حوالي 500 كيلوغراما من المتفجرات, ولمسافة تصل إلى حوالي 1,000 كيلومتر. وفي 7 مارس/آذار 1990, أعلن الفريق عامر السعدي بأن العراق أصبح جاهزاً لاستعمال مدفع بابل في إطلاق نوعين من الأقمار الصناعية المنتجة محلياً إلى الفضاء الخارجي.[40]

        وخلال أبريل/نيسان ومايو/أيار 1990, انطلقت الحملة المعادية للعراق في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بهدف استكمال ما بدأته إسرائيل عندما قام عملاؤها باغتيال مصمم مدفع بابل, جيرالد بُل, قبل ذلك بشهرين, أي في 7 فبراير/شباط من نفس العام. فقام موظفو الجمارك في بريطانيا وألمانيا الغربية وإيطاليا واليونان وتركيا باعتراض الشحنات التجارية المتوجهة للعراق, والمشتملة على قطع يمكن استعمالها في بناء مدفع بابل. وفي يوليو/تموز من عام 1990 أيضا, قام موظفو الجمارك الأميركيون بتوقيف قطع مشحونة إلى العراق, قيل في حينها أنها كانت ستستخدم في صنع القنبلة الذرية العراقية.[41]

         أخيراً, فان إسرائيل كانت شديدة الاهتمام بتدمير أنظمة الصواريخ العراقية, حتى تحافظ على تفوقها الجوي في المنطقة. فقد كان برنامج الصواريخ العراقية فعالاً وناجحاً منذ عام 1984, عندما تمكن العراق من تطوير الصاروخ ذاتي الدفع, أستروس رقم 2, بالتعاون مع البرازيل.[42] وقد تسارع تطوير البرنامج عندما حصل العراق على 300 صاروخ من طراز سكود ب, في عام 1986. فأخذ العراقيون تلك الصواريخ إلى البرازيل, حيث حولوها إلى 200 من الصواريخ المتوسطة المدى, ولكن بعد تخفيض سعة رؤوسها الحربية إلى 190 كيلوغراماً بدلاً من 800 كيلوغرام.[43]   وفي 5 أغسطس/آب 1987, أعلن الرئيس صدام حسين بأنه قد تم تجريب الصاروخ العراقي الجديد, "الحسين," الذي أُطلق بنجاح وقطع مسافة 615 كيلومتراً, وأصاب الهدف المحدد له.[44]

وفي 7 ديسمبر/كانون ثاني 1989, أطلق العراق صاروخ "العابد" الذي كان بثلاثة مراحل, وبلغ وزنه 48 طنا, وارتفاعه 25 متراً. وكان بإمكان "العابد" حمل رأس حربي إلى هدف يبعد بمسافة 2,000 كيلومتر عن موقع الإطلاق. وقد أثار ذلك الإنجاز قلق الرسميين الأميركيين الذين صرحوا للصحفيين في اليوم التالي, 8 ديسمبر/كانون ثاني 1989, في واشنطن, بأن برامج الصواريخ العراقية قد أصبحت "موضوع قلق رئيس لإدارة بوش."[45]

وفي 12 أبريل/نيسان 1990, كرر الرئيس صدام حسين ما ذكره سابقاً بأن هناك حملة إعلامية غربية غير مبررة ضد العراق. وقد أخبر وفداً من مجلس الشيوخ الأميركي, ترأسه كل من بوب دول وألن سمبسون, بأنه في حالة اغتيال القيادة العراقية في هجوم إسرائيلي, فإن قادة القوات الجوية لديهم أوامر بمهاجمة إسرائيل بالأسلحة الكيميائية. كذلك فإنه دافع عن امتلاك العراق للأسلحة الاستراتيجية لأنها تحدث توازناً في القوى يؤدي في النهاية إلى السلام, خاصة أن الميزان كان مختلاً لصالح إسرائيل التي كانت (ولا تزال) تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الذرية.[46]

 

الاتصال بزعماء اليهود الأميركيين

 

        إدراكاً للنفوذ الهائل لليهود الأميركيين على صنع السياسة في الولايات المتحدة, وتوقعاً للخطر الداهم ضد العراق, حاول الدبلوماسيون العراقيون جاهدين أن يوصلوا وجهة النظر العراقية لزعماء اليهود الأميركيين ومؤيدي إسرائيل في الكونغرس. في البداية, كان يبدو أن الجهود العراقية مثمرة, خاصة في عامي 1988 و 1989. ولكن التوتر قد تصاعد نحو الأزمة منذ بداية عام 1990. وبحلول أبريل/نيسان, أخذت السياسة الأميركية تجاه العراق في التحول بشكل جذري (كما سيتم توضيحه في الفصل السابع).

        فقبل أزمة عام 1990, حاول السفير العراقي في الولايات المتحدة, نزار حمدون, الاتصال بزعماء اليهود ومؤيدي إسرائيل بهدف شرح موقف العراق. وكان يتلقى المساعدة في ذلك من مارشال وايلي, الموظف في وزارة الخارجية. فيقوم بدعوة عدد كبير منهم لتناول العشاء في منزله,[47] وهدفه الرئيس أن يبين لهم أن العراق لا يشكل خطراً على إسرائيل.[48] وقد حقق بعض النجاح في مسعاه بدليل موافقة بعضهم على القيام بزيارة العراق للاجتماع بالقادة العراقيين والاستماع لهم, وذلك ضمن وفد شمل مؤيدي إسرائيل من يهود وغيرهم.

وكان من ضمن الوفد عضوي الكونغرس ستيفن سولارز وألفونسو داماتو, اللذين أصبحا فيما بعد من أشد المحرضين على الحرب ضد العراق. كما كانا من أوائل الذين ركزوا هجومهم على شخص الرئيس العراقي, واصفين إياه بأنه هتلر, بهدف خداع الشعب الأميركي وكأن الحرب ستدور بين الولايات المتحدة وشخص واحد هو الرئيس العراقي. 

        ومن ضمن مساعي نزار حمدون الناجحة أنه تمكن من إقناع شركة هنري كيسنجر الاستشارية بإرسال مندوبين عنها إلى بغداد في عام 1989, لحضور الحلقة الدراسية التي نظمتها الشركات الأميركية العاملة بالعراق. وقد أرادت تلك الشركات التأثير على الإدارة الأميركية لمساعدة العراق لحل مشكلة ديون الحرب. وقد أصبح هذان المندوبان (برنت سكوكروفت ولاري إيغلبرغر) من كبار المسؤولين في إدارة بوش,[49] لكنهما أصبحا من المحرضين الرئيسيين على تبني خيار الحرب ضد العراق, فيما بعد.

          وكان من نتيجة تلك الجهود أن أول اتفاقية لإعادة جدولة الديون العراقية كانت ستوقع في باريس, في 4 أغسطس/آب 1990.[50] وفي 13 فبراير/شباط 1990, وصل ريتشارد ميرفي إلى بغداد, ممثلاً لروبرت عبود, الذي كان رئيساً لشركة بنوك فيرست سيتي المسجلة في ولاية تكساس, كما كان في نفس الوقت رئيسا لتجمع الشركات الأميركية العاملة بالعراق. ومهما يكن من أمر, فإن زعماء اليهود والمؤيدين لإسرائيل في أميركا كانوا ولا زالوا يضعون مصلحة إسرائيل أولاً. لذلك, فإنهم وقفوا ضد العراق أثناء أزمة عام 1990, على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها المسؤولون العراقيون.

 

الخلاصة

 

          كانت العلاقات العراقية~الكويتية في حالة توتر طيلة القرن العشرين. لكن حالة التوتر كانت تزداد أثناء الأزمات الرئيسة التي حدثت في الأعوام 1901, و 1902, و 1938, و 1961, و 1990. ولم تتصاعد الأزمة لتصل إلى مستوى الغزو إلاَّ في عام 1990.

        فقد شعر العراقيون أن حكومة الكويت كانت تتجاهل وجهات نظرهم بشأن أسعار النفط, وديون الحرب, والمنازعات الحدودية. وكانوا يتوقعون معاملة أفضل كثيراً مما فعله الكويتيون معهم, خاصة أنهم لم يكونوا يدافعون عن العراق (طيلة الحرب العراقية~الإيرانية) فحسب, بل عن الكويت وبقية أقطار الخليج العربي. ومقابل ذلك, فإنهم كانوا يتوقعون التقدير والدعم الاقتصادي بعد الحرب, الأمر الذي لم يحدث.

        وكان للكويتيين وجهات نظرهم في الأزمة أيضاً. فقد كانوا يتطلعون إلى اعتراف عراقي بالحدود بين البلدين. وعندما لم تستجب القيادة العراقية لمطالبهم (نظراً لمطالبها الخاصة بجزيرتي وربه وبوبيان), ردوا بشكل تصعيدي وانتقامي وذلك بممارسة الضغوط الاقتصادية على العراق. فأخذوا يطالبون العراق بدفع ديون الحرب التي بلغت حوالي 12 بليون دولار, وهم يعلمون بعدم قدرة العراق على ذلك. كما عملوا على تخفيض أسعار النفط (عن طريق زيادة إنتاجهم عن الحصة المقررة لهم من أوبك), الأمر الذي أدى إلى تخفيض فعلي في أسعار النفط بلغ حوالي 30 بالمائة. وشعوراً منهم بذلك التصعيد وبتلك الضغوط الاقتصادية الكويتية, رد العراقيون بإرسال قواتهم إلى الحدود, كوسيلة ضغط مضاد. ونتيجة للوساطات العربية, عقد الطرفان مباحثات في جده استغرقت أقل من يومين. وبفشل تلك المباحثات, أصبح المسرح جاهزاً للتصعيد العسكري, الذي عبر عنه الغزو العراقي للكويت.

        وكانت ردود الفعل العربية مزيجاً من الصدمة وعدم التصديق لما وصلت إليه العلاقات العربية~العربية. وبدأت عدة مبادرات سلمية لحل الأزمة بانسحاب القوات العراقية من الكويت بأسرع وقت ممكن. وقد وافقت القيادة العراقية على ذلك في الأُسبوع الأول من أغسطس/آب, استجابة لمبادرة الملك حسين. لكن الموقف البريطاني~الأميركي المتعنت في مجلس الأمن والضغوط الأميركية على بعض الأقطار العربية أديا إلى أن تقوم الجامعة العربية بإصدار قرار يدين الغزو ويطالب العراق بالانسحاب الفوري. وكانت نقطة التحول عندما قبل الملك فهد باستقبال القوات الأميركية في بلاده, أي بالحل العسكري للأزمة بدل القبول بمبادرة الملك حسين السلمية التي قبلها العراق. وكانت تلك بمثابة الخطوة الأولى التي أدت إلى إخراج القوات العراقية من الكويت بالقوة, والى تدمير القوة الاقتصادية والعسكرية للعراق نتيجة للحرب.

        لقد أدت الأزمة والغزو والحرب التي تلتهما إلى معاناة الملايين من العرب في العراق والكويت وأقطار عربية أخرى, ومن المهاجرين من غير العرب أيضاً. فأصبح معظم المواطنين الكويتيين لاجئين في منطقة الخليج وأنحاء مختلفة من العالم. أما من بقي في الكويت, من كويتيين ومهاجرين, فكانت معاناتهم أكبر. وحصل الفلسطينيون على نصيب الأسد من تلك المعاناة, ونقص عددهم من أكبر جالية من المهاجرين في الكويت كانت تعد بأكثر من 450,000 نسمة قبل الغزو إلى حوالي 130,000 نسمة أثناء الأزمة, ثم إلى أقل من 30,000 نسمة بعد الحرب. وقد خسروا وظائفهم واستثماراتهم والمجتمع الذي ساهموا في بنائه لأكثر من نصف قرن. كما تعرضوا إلى حملة إرهابية شنيعة بعد الحرب كانت تهدف إلى إخراجهم من البلاد. وكان البدون هم الجماعة السكانية الثانية التي عانت على أيدي أجهزة الأمن الكويتية بعد الحرب. وقد تذرع الكويتيون بعذر أقبح من ذنب لتبرير اضطهادهم للفلسطينيين والبدون. فقد وجهوا إليهم "تهمة" التعاون مع الحكومة العراقية في الكويت أثناء الأزمة, وتمثل ذلك التعاون في عودتهم إلى أعمالهم في الخدمات التعليمية والصحية والكهربائية والغذائية!!! (كما هو مفصل في الفصل العاشر). فهل هذه "تهمة" تستباح على أساسها حرمات ودماء وأعراض العرب والمسلمين؟ مع ذلك, ومهما كانت معاناة الفلسطينيين والبدون والمهاجرين والكويتيين, فلا يمكن أن تقاس بمعاناة العراقيين الذين استشهد مئات الآلاف منهم أثناء الحرب وبعدها, وخاصة أثناء انسحابهم, والذين يموت أطفالهم بعشرات الآلاف سنويا نتيجة للحصار الجائر والأمراض الخبيثة التي سببتها الأسلحة الغربية التي استخدمت في الحرب (مثل اليورانيوم المستنفذ), والذين دمر اقتصادهم فأصبح جزء كبير منهم يعاني من الفقر والحرمان.

        وقد استخدم قادة دول التحالف, خاصة الأميركيون منهم, طريقة التحليل الوظيفي في تفسيرهم لأزمة عام 1990 وردة فعلهم عليها. وأقل ما يمكن قوله عن هذه الطريقة في التفكير أنها تبسيطية وسطحية. فالأزمة لم تبدأ بالغزو العراقي للكويت, الذي لم يكن التصدي له ليتطور إلى حرب لولا وجود مجموعة كبيرة من العوامل التي بينت أن الحرب كانت تحقق مصالح أطراف أخرى, ليس لها علاقة بقضية الكويت. أما نظرية الصراع, فإنها أقدر على التحليل لأنها تستند إلى الفهم العميق للظواهر عن طريق دراسة أبعادها المختلفة, لا سيما التاريخية والإقليمية والعالمية منها. وهكذا, توضع الأزمة في مكانها الصحيح كجزء من الصراع العالمي بين الشمال والجنوب, وبين القوى الرأسمالية الاستعمارية ومجتمعات العالم الثالث, وأخيراً بين القوى الغربية الخاضعة للصهيونية العالمية (ومعها الأنظمة التابعة لها) وحركة التحرر القومية العربية, في حالتنا هذه.

        أما الأسباب المباشرة التي أسهمت في تطور الأزمة فتمثلت في ديون الحرب, وانخفاض أسعار النفط, والمنازعات الحدودية. كذلك, فإن الأزمة قد مثلت انقساماً تاريخياً واضحاً بين معسكرين عربيين, كانا يحاولان طمس الصراع بينهما لعدة عقود قبل ذلك. وقد أسهمت القوى الغربية عموماً, والولايات المتحدة بشكل خاص, في تطور الأزمة عندما لم تعلن بوضوح أنها ستقف ضد العراق إذا ما قام بغزو الكويت. وعلى العكس من ذلك, فإن المسؤولين الأميركيين قد أوضحوا للقيادة العراقية بجلاء بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في المنازعات العربية~العربية. ولو التزمت الولايات المتحدة بتلك السياسة بالفعل, لما وصلت الأمور إلى الحرب والتدمير, خاصة بعد أن أعلن العراق قبوله بالانسحاب من الكويت منذ الأسبوع الأول. كما لعبت إسرائيل دوراً رئيساً في تصعيد الأزمة. فأولاً, كان لدى العراقيين من الشواهد ما دفعهم للاعتقاد بأن هجوماً إسرائيلياً وشيكاً على منشآتهم الذرية يمكن أن يحدث. وثانياً, أصبح العراق هدفاً لحملة دعائية شملت أوروبا الغربية وأميركا الشمالية, على أثر التهديدات العراقية المضادة للتهديدات الإسرائيلية. وبدأت الدول الغربية في اعتراض الشحنات الصناعية والتجارية المتجهة للعراق لكيلا تستخدم في بناء مدفع بابل, الذي كان يمكن أن يسهم في تهديد التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. وثالثاً, قام عملاء إسرائيل باغتيال جيرالد بُل, مصمم مدفع بابل. كل ذلك كان يحدث في نفس الوقت الذي تصاعدت فيه الأزمة العراقية~الكويتية. وهكذا, فالمنطق الصهيوني (كان ولا يزال) يعني أن على العرب الالتزام بالصمت عندما تهددهم إسرائيل, وعليهم الخلود إلى السكينة والاستسلام عندما تضربهم. أما إذا ردوا على التهديدات الإسرائيلية أو قاوموا اعتداءات إسرائيل, فانهم يوصمون بأشنع الصفات وتوجه ضدهم حملات التشهير وتشن عليهم الحروب.

        ختاماً, لقد كانت المنازعات العراقية~الكويتية على درجة من الخطورة أدت إلى أن تصل إلى مرحلة الأزمة, التي تطورت إلى الغزو العراقي للكويت. لكن تلك المنازعات وحدها لم تكن لتتصاعد إلى حد مرحلة الحرب لولا مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية. وهكذا, فإن القوى الغربية عامة, والولايات المتحدة على الأخص, لم تتح الفرصة للمبادرات السلمية لتحقق الانسحاب العراقي من الكويت بدون حرب. حتى محاولة الديمقراطيين في الكونغرس لاستعمال العقوبات الاقتصادية كوسيلة لإقناع العراق بالانسحاب, لم تعط الفرصة أيضاً (كما يتبين من الفصل الثامن). فقد كانت الحرب هي الحل المفضل لدى الإدارة الأميركية (وهذا ما سيتم بحثه في الفصل السابع).

 

 

 

 

   

 

خريطة الكويت

 

 

 

 

هذه الصفحة تطبع على ورقة بيضاء مباشرة من خريطة الكويت, التي تشتمل أيضاً على عنوان الصفحة ورقمها كما هو مبين أعلاه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


ملاحظات ومصادر



[1]   Graz (1990).

[2]  Graz (1990); Daneshku (1990); Salinger and Laurent

   (1991: 31).

[3]  Daneshku (1990).

[4]  Jaber (1990); Pimlott (1992: 40); Bin Sultan (1995:

   158-159); Al-Yahya (1993: 84, 113).

  مجلس الأمة الكويتي (1995).[5]  

[6]  Al-Yahya (1993: 85).

  مجلس الأمة الكويتي (1995).[7]

[8]     التغير الذي حدث في السياسة الأميركية من إعلان عدم التدخل في النزاعات العربية إلى اتخاذ موقف قوي ضد الغزو العراقي للكويت ستتم مناقشته في الفصل السابع.

 

[9]  Bush and Scowcroft (1998: 330).

[10]  Bin Sultan (1995: 183-184); Pimlott (1992: 41-46);

    Salinger and Laurent (1991: 90-113).

[11]  Amnesty International (1990).

[12]  MEW (1991); HRW (1995).

 

[13]   يتركز اهتمام نظرية الوظيفية على المحافظة على الوضع القائم. وهكذا, فإن المثالية لدى الوظيفيين تتمثل في التوازن بين المؤسسات الاجتماعية الرئيسة أو بين مراكز القوى في المجتمع, أو بين مختلف المجتمعات المكونة للنظام العالمي, كما في هذه الحالة. فإذا ما كانت المؤسسات الاجتماعية في حالة انسجام مع بعضها البعض, فإنها تكون أكثر قدرة على القيام بأداء وظائفها الخاصة بها في المجتمع. وعندما يحدث ذلك, فإنه يُنتج نظاماً من الاستقرار الاجتماعي يتم التعبير عنه من خلال حالة من التوازن الدقيق في المجتمع. أما إذا بدأت إحدى المؤسسات الاجتماعية في إظهار عدم قدرتها على أداء الوظائف الخاصة بها, أو أصبحت تتعارض مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى, فإن المجتمع يبدأ أيضاً في فقدان التوازن الدقيق بين مكوناته, مما يهدد نظامه واستقراره. فإذا ما حدث ذلك, توجَّب على المجتمع ككل أن يعمل في جهد منظم على استعادة حالة التوازن الأولى, وذلك بإزالة الأسباب والظروف التي أدت إلى فقدان التوازن في المجتمع. للمزيد من المعلومات عن الوظيفية,  يمكن الرجوع للمصادر التالية:

  

Parsons (1951, 1955); Merton (1965; 1986); Alexander and Colomy (1990).

 

[14]  Schwarzkopf (1992).

[15]  Amnesty International (1990: 4).

[16]  Bin Sultan (1995: 158).

[17]  Robertson (1987: 17).

 

 [18]  تؤكد نظرية الصراع على أن هناك صراع أصيل على المصالح في المجتمع, بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة. ولا يقتصر الصراع على الطبقات فقط, بل يتعدى ذلك ليشمل كافة الجماعات السكانية في المجتمع, مثل الجماعات الدينية والعنصرية والعرقية والإقليمية, كما يشتمل ذلك على الصراع بين الجنسين وبين الأجيال. فالجميع يتنافسون للحصول على أكبر قدر ممكن من مصادر الثروة والقوة والنفوذ والخدمات. كذلك فإن نظرية الصراع قد وُسعت لتشمل العالم كله, الذي تتنافس فيه القوى الاستعمارية الرأسمالية للسيطرة على الأسواق والمواد الخام, كما تم ذكره في الفصل الخامس.  للمزيد من المعلومات عن نظرية الصراع,  يمكن الرجوع للمصادر التالية:

 

Mills (1956); Wright (1985); Domhoff (1990l 1998); Frank (1967; 1972); Wallerstein (1974).

  

[19]   فأول اتفاقية لإعادة جدولة الديون العراقية كانت ستوقع في باريس, في الرابع من أغسطس/آب 1990, كما ذكر تمرمان  (347-349, 389  Timmerman, 1991:). وبالطبع فإن ذلك كان مبعثاً لقلق العراقيين, لأنه لو حدث وتم تطبيقه فإنه كان سيكون شبيها بالنظام المالي الذي فرضته بريطانيا وفرنسا على مصر في السبعينات من القرن التاسع عشر, والذي أفضى في النهاية إلى الاحتلال البريطاني لمصر, في عام 1882. ولذلك, لا ينبغي أن يكون مدهشاً أن حرب عام 1991 قد تمخضت عن تحكم القوى الاستعمارية الغربية بالخزينة العراقية, عن طريق التحكم بعائدات الصادرات النفطية واقتطاع حوالي ثلثها.

 

[20]  Bin Sultan (1995: 162); Pimlott (1992: 39).

 

[21]    نص محضر الاجتماع منشور بالكامل بالانكليزية في كتاب سالينو .(Scilino, 1991: 271-284)

 

وفي شهادتها التي قدمتها أمام الكونغرس, في العشرين من مارس/آذار 1991, ذكرت السفيرة أبريل غلاسبي أيضاً أنها قد حذرت الرئيس العراقي من استخدام القوة ضد الكويت. وبالتحديد, فإنها أخبرته "بأننا نصر على أن تقوموا بتسوية منازعاتكم مع الكويت بدون عنف."

 (Sciolino, 1991: 280, 283)

      وفي معارضة لادعاء أبريل غلاسبي هذا, ذكر عضوا مجلس الشيوخ كليبورن بل وألن كرانستون بأن "برقيات الآنسة غلاسبي لوزارة الخارجية بعد اجتماعها مع الرئيس العراقي تبين أنها لم تقم أبداً بإصدار تحذير قوي له." وأضاف كرانستون متهماً السفيرة غلاسبي أنها قد "ضللت الكونغرس عن عمد إزاء دورها في حدوث مأساة الخليج."

(The Atlanta Journal/Atlanta Constitution, July 13, 1991). 

[22]  Bin Sultan (1955: 77-78).

[23]  Bin Sultan (1955: 251).

[24]  EIU, The Economic Intelligence Unit (1990: 48-51).

[25]  EIU, The Economic Intelligence Unit (1990: 48-51).

[26]  Pimlott (1992: 37).

[27]  Timmerman (1991: 373-379).

 

[28]   ذكر عبد الله التل, قائد القوات الأردنية في القدس الشرقية العربية خلال حرب عام 1948 بأن غولدا مائير وموشي شاريت قد أقنعا أمير شرق الأردن, عبد الله بن الحسين, باستخدام نفوذه لدى أقاربه حكام العراق بأن يسحبوا القوات العراقية من مواقعها الحصينة في المثلث والجليل. وفي المقابل, فإن إسرائيل ستسمح له بالاحتفاظ بالضفة الغربية تحت حكمه. وانسحبت القوات العراقية من مواقعها بدون قتال يُذكر, خاصة في منطقتي اللد والرملة (لمزيد من التفصيل, انظر عبد الله التل, 1957).

 

[29]  Black and Morris (1991: 91).

[30]  Black and Morris (1991: 313-314); McKnight (1992: 23); Al-Bazzaz

  (1989: 141-142).

[31]  Al-Bazzaz (1989: 143-144).

 

[32]    ترأس تلك العملية الملحق العسكري الإسرائيلي السابق في إيران, ياكوف نمرودي. وقد ساعده في ذلك رجل الأعمال اليهودي الأميركي (أل شويمر) الذي أسس صناعة الطيران الإسرائيلية, والمليونير السعودي عدنان خاشقجي, وتاجر الأسلحة الإيراني منصور خوربانيفار. وقد حظيت العملية بموافقة زعماء حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية (رئيس الوزراء شمعون بيرس ووزير الخارجية اسحق شامير). فالتقى مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية (ديفد كيمحي) مع مستشار الرئيس الأميركي لشئون الأمن القومي (روبرت مكفارلين) واتفقا على تسليم إيران 96 صاروخاً من طراز تاو الأميركية الصنع والمضادة للدبابات, مع نهاية أغسطس/آب من عام 1985. وبعد ذلك بثلاثة أسابيع, قام الإسرائيليون بتزويد الإيرانيين بشحنة أخرى اشتملت على 408 صاروخا من نفس النوع, بموافقة أميركية وتمويل سعودي. بعد ذلك, أصبحت العملية الإسرائيلية~الأميركية المساندة لإيران تحت إشراف كل من مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي (أميرام نير) ونائب مستشار الرئيس الأميركي لشئون الأمن القومي (أُليفر نورث). وتسلمت إيران عدة شحنات من الأسلحة بعد ذلك.

          وقد بدأ أمر تلك العملية يتكشف عندما اقترح نير على نورث رفع أسعار الأسلحة واستخدام المبالغ الزائدة في مساندة قوات المتمردين الذين كانوا يقاتلون ضد نظام ساندانيستا الثوري في نيكاراغوا, والذين كانوا يعرفون بالثورة المضادة (الكونترا). وقد أعجب أُليفر نورث بالفكرة لأنها تخدم سياسة الرئيس ريغَن في أميركا الوسطى, والتي كانت تعارضها الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس. فقد نجحت الأغلبية الديمقراطية بإصدار قانون يحظر على الحكومة مساندة الثورة المضادة في نيكاراغوا. ولذلك, فإن فكرة نير تلك كان من شأنها مساعدة المتمردين بدون الاستخدام المباشر للأموال الأميركية. لكن أُليفر نورث قد خرق القانون على أية حال, لأنه استخدم الأموال الأميركية (الأرباح الإضافية) بشكل سري, الأمر الذي أوقعه تحت طائلة القانون, كما اتضح من خلال استجوابه في الكونغرس.

 

(Black and Morris, 1991: 427-433).

 

          ولم يقتصر التغلغل الإسرائيلي في عملية إطالة أمد الحرب العراقية~الإيرانية على إقناع الأميركيين ببيع الأسلحة إلى إيران, بل قام الإسرائيليون ببيع أسلحتهم لإيران منذ بداية الحرب. فبين عامي 1980 و 1986, بلغت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران ما قيمته حوالي بليوني دولار. وقد انتبهت وسائل الإعلام للأمر عندما ألقت السلطات البنمية القبض على ضابطين عسكريين إسرائيليين برتبة فريق, كانا يحاولان الاتصال بالمتمردين في نيكاراغوا. وقد دفع الرئيس البنمي, نورييغا, ثمناً باهظاً لقيامه بإلقاء القبض على الضابطين الإسرائيليين. فقد قامت القوات الأميركية بغزو بلاده في عام 1989, وألقت القبض عليه وأحضرته للمحاكمة في الولايات المتحدة بتهمة تسهيل تهريب المخدرات, وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

          وعلى أية حال, فإن فضيحة إيران~كونترا هذه قدمت دليلاً ساطعاً على طبيعة العلاقة الإسرائيلية~الأميركية. لقد دللت بما لا يدع مجالاً للشك على أن الحكومات الأميركية تتبع السياسة الإسرائيلية حتى ولو كانت تتعارض مع القانون الأميركي. لقد أخضعت الحكومة الأميركية سياستها في الشرق الأوسط للمصالح الإسرائيلية. فالسياسة الأميركية المعلنة كانت تتلخص في العمل على إنهاء الحرب العراقية~الإيرانية من خلال تبنيها لإصدار قرار مجلس الأمن رقم 598. لكن إدارة ريغَن رجعت عن سياستها عندما تعلق الأمر برغبة إسرائيلية في إمداد إيران بالأسلحة.

 

(Al-Bazzaz, 1989: 65, 201-202).

    

[33]  Elnajjar (1993).

[34]  Black and Morris (1991: 437).

[35]  Reich (1990).

[36]   Pimlott (1992: 37).

[37]  Bin Sultan (1995: 343).

[38]  Timmerman (1991: 69-70).

[39]  Timmerman (1991: 69-70).

[40]   Timmerman (1991: 322, 370-371).

[41]  Timmerman (1991: 377-379, 387-388).

[42]  Timmerman (1991: 184).

[43]  Timmerman (1991: 248-249).

[44]  Timmerman (1991: 267); McKnight (1992: 175).

 

لكن مكنايت يختلف عن تمرمان في أنه يذكر أن مدى صاروخ الحسين يبلغ حوالي 650 كيلومتراً, ويمكنه حمل 250 كيلوغراماً من المتفجرات.

 

[45]  Timmerman (1991: 265-266).

[46]  Timmerman (1991: 379-382).

 

[47]     وكان من بين هؤلاء ستيف سولارز (عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك), وبيتر رودمان (الذي كان يترأس قسم تخطيط السياسة بوزارة الخارجية), وهوارد تيشر (الذي كان يشغل منصب كبير محللين شئون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي), وروبرت بليترو (الذي كان نائب وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى وجنوب آسيا), وألفرد موسز (الذي كان ضابط الاتصال مع الجالية اليهودية في إدارة كارتر), وجودث كيبر (المتخصصة في الشرق الأوسط في مركز أبحاث بروكنغز), وثلاثة من الصحفيين البارزين, هم كين ولاك (منسق النشرة المعروفة باسم مسح سياسات الشرق الأوسط), ودون أوبردورفر (من صيحفة الواشنطن بوست), وديفد اغناشيوس (من صحيفة ول ستريت جيرنال).

       Timmerman (1991: 219-223).

 

[48]   Timmerman (1991: 222).

[49]  Timmerman (1991: 347-349).

[50]  Timmerman (1991: 389).